تُعدّ الحكم والأمثال الشعبية تصويراً واقعيّّا للتجارب التي مرت بها مختلف الشعوب، هذا بالإضافة إلى أنها تعكس حال الأمم وكافة فئات المجتمعات بمختلف أطيافها؛ لذلك يجد المرء هناك ما يسمى بحكايات الأمثال العربية المشهورة، إذ أنه يكمن وراء كل مثل شعبي قصة أدت إلى قوله وشيوعه وتردّده على ألسنة الناس، وكما أننا نجد الكثير من المؤرخين والأدباء، يعتبر الحكم والأمثال الشعبية أشدّ وقعاً وتأثيراً على نفوس الناس من أي كلام آخر على مرّ العصور المختلفة.
لمَ استخدم العرب الأمثال؟
إن العرب على امتداد وجودهم وتاريخهم الطويل، قد استخدموا الأمثال بهدف الاحتجاج بها في المواقف الحياتية، إذ أنهم قاموا بروايتها لقوة تأثيرها ووقعها في النفوس، وكما أن الأمثال كانت تعبيراً وتصويراً لعادات العرب وتقاليدهم، لذلك السبب فقد استشهد بها العلماء والأدباء والمؤرخون كي يتعرفوا على سمات المجتمعات، ويتضح ذلك من خلال التعرف على أشهر أمثال العرب في الجاهلية، فكان العرب في الجاهلية يتمتعون بالتأمل والتفكير، لديهم حسن الصياغة التي تساعدهم على ضرب الأمثال، فتنقلت بين ألسنة الناس وانتشرت بعدها على مر الزمان.
لمَ يُضرب مثل: لأمر ما جدع قصير أنفه؟
يُضرب مثل “لأمر ما جدع قصير أنفه”، في الحيلة والمكر والخداع، وفعل الشيء غير المعتاد لهدف ما في نفس يعقوب، فعندما يقوم الشخص الماكر بإلحاق الأذى بنفسه، فالأمر المؤكد أن يكون هناك هدفاً عظيماً وراء فعلته تلك، وهذا الذي قام بفعله صاحب المثل الذي بين أيدينا، والذي يُدعى قصير، وفيما يلي من سطور سأعرفكم إلى قصة هذا المثل.
قصة مثل “لأمر ما جدع قصير أنفه”:
يُحكى أنه كان للملك “جذيمة الأبرش” ابن أخت، يُدعى “عمرو بن عدي”، وقد كان يحبه بشكل كبير، وكما أنه يقربه منه، ولما قامت الزباء بقتل جذيمة؛ وذلك كي تثأر منه لأنه قتل أباها، قرر عمرو بن عدي أن يأخذ بثأر خاله، وينتقم من الزباء بقتلها، وقد كانت الزباء قد سألت كاهناً عن أمر هلاكها، وكيف سيكون، فأخبرها أنه سيكون على يد عمرو بن عدي، فاحتاطت لذلك، وأخذت حذرها منه.
أشار شخص من حاشية عمرو عليه ويُدعى قصير، أن يجدع أنفه “أي يقطعه”ويضربه بالسياط، حتى يترك أثراً بجسده، وبعد ذلك يذهب قصير إليها مدعياً أن عَمراً قد غضب عليه، وكما أسلفت يُقصد بجدع الأنف هنا قطعه، ولكنّ عَمراً رفض اقتراح قصير، ففعل قصير بنفسه ما خطط له.
كان العرب يعرفون قصير ومدى خبثه ودهاءه، وبالفعل أدركوا أنه ما فعل بنفسه ذلك إلا لأمر ما، ومنذ ذلك اليوم، وهذا المثل مضرباً بينهم، وذلك حينما يظنون بماكر شيئاً، بعد ذلك ذهب قصير إلى الزباء، فرأت ما آل إليه حاله، بأنف مجدوع وجسد مصاب، فظنت أن عَمراً قد غضب عليه، وأن قصيراً لا بدّ سينتقم منه، فوثقت به وضمته إلى رجالها، وظل قصير يحتال عليها حتى مكن عمرو منها، فدخل عليها وقتلها.